

الأزمة الاقتصادية ورثة مثقلة على حكومة السودان التأسيسي.
كيف يتم الخروج منها؟
د جمال عبدالحليم النور
نائب الأمين العام لحركة تحرير السودان-المجلس الإنتقالي
ظلت الاقتصاد السودان في طوال تاريخه منذ 1956م، يعاني من تخبط في السياسات الاقتصادية، بسبب عدم وجود مشروع وطني ياسس لاستقرار سياسي و اقتصادي واجتماعي، بل ظل الإدارة الاقتصادية ينتهج سياسات مربوطة بمصالح النخب السياسية، أكثر من تقديم سياسات لصالح المشروع الوطني، لذا لازم تطور الاقتصاد السوداني خلل هيكلي بنيوي، بات محبوسا في سياج تقليدي مشوه وهجين، لأنها تارا اقتصاد اشتراكي، وتارا أخري سياسات الصندوق والبنك الدوليين وصفة (التكيف الهيكلي) ، وأيضا لازمه خليط من التشويه كالنظام الإسلامي الغير مضبوط في نظريات الاقتصاد، بلا شك الاقتصاد السوداني ظل مريض يعاني من سرطان الايدولوجيات المبنية على استعراض الكذب وتزييف حقائق الأرقام التي لم تعترف بها علم الاقتصاد، لأنها علم يعتمد على الحقائق المجردة للتنبوء بالمستقبل، ونتيجة للتشوهات التي أصابت الاقتصاد السوداني قد أسهم ذلك إلى ، اختلالات بنيوية على مدار تاريخه بعد خروج الإنجليز، صاحبه عجوزات متتالية في كل الموازين، ميزان المدفوعات، الميزان التجاري، الموازنة العامة والأخطر في هذه الأخيرة ظلت أكثر من خمسين عاماً كلها موازنات حرب على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة إلى حالة الكساد و الركود، التضخم والبطالة، والفساد باشكاله المختلفة. على أي حال فشل تطور الاقتصاد السوداني مربوط بأسباب كثيرة ممكن نلخصها في الآتي :-
1/ عدم وجود مشروع وطني متفق عليه وبناءً عليها تقوم التخطيط الاقتصادي.
2/ انعدام الإرادة السياسية في توجيه السياسات الاقتصادية نحو معالجة المشاكل الاقتصادية المتعلقة بالبطالة والتضخم والفساد المالي والإداري.
3/ عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي لازم الدولة وتوجيه الموارد للإنفاق السياسي والأمني بدلاً الإنفاق على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
4/ تأثير الصراعات السياسية ذات الطابع الايدولوجي في توجيه الاقتصاد وبالذات في الفترات الانتقالية أو الديمقراطيات الهشة، إضافة إلى ايدلوجيتة التمكين (الكيزاني).
5/ تمركز سياسات التنمية في (مثلث حمدي)، وعدم توزيعها بشكل عادل أدى إلى افتعال صراعات أسهم في تفكيك بنية الدولة بحرب 15 أبريل.
وعلى الرغم من الثورات الانتفاضات و الحركات التحررية، التي قامت لاسيما انانيا1 وانانيا2، ثورة أكتوبر 1964م، أبريل 1985م، الحركة الشعبية لتحرير السودان، 1983م، حركة تحرير السودان 2002م، ثورة ديسمبر 2018م، وأجسام أخرى، كلها أجسام مطلبية قامت لتصحيح مسار الأخطاء التي وقع فيها الدولة السودانية، ومن ضمنها أخطاء إدارة الاقتصاد و لكن هيهات لا إذن لمن ينادي.
وصلت الأزمة الاقتصادية أقصى تجلياتها في عهد حكم الحركة الإسلامية (الكيزانية )، ولأن تميزت فترتهم بتحويل إدارة الاقتصاد إلى الحزب، واتجه الحركة الإسلامية بموارد الدولة إلى تمكين عضوية الحزب والمواليين له وتمويل الإرهاب وخلق عداءات مع الدول على حساب تنمية البلد و تدمير الخصوم، لذا اتسمت فترتهم بالفساد والإفساد في جانب الموارد المالية والإدارية، وكذلك توجيه الإنفاق العام في قنوات غير حقيقية، لأن طوال الثلاثين سنة نجد الإنفاق على القطاع الأمني ((جيش، شرطة، شرطة شعبية، دفاع شعبي، جهاز الأمن، جميع انواع المليشيات العسكرية والحزبية على سبيل المثال، كتائب الظل والبرائون، درع البطانة، .... الخ). يتصدرون أوجه الإنفاق، على حساب الإنفاق على القطاعات الإنتاجية الأخرى، مما عطل عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل ساد الإدارة الاقتصادية في عهد الحركة الكيزانية، من صميم مهامه شراء زمم الشعب من أجل كسب الولاء والانتماء السياسي، دمرو القطاعات الاقتصادية، زراعة، صناعة، خدمات، حتى البترول التي تم استخراجها في 1999م، قد إساءة استخدمه، في خلق صراعات في دارفور، وتمكين وتنمية (مثلث حمدي)، على حساب الولايات الأخرى، واستمر سياستهم الاقتصادية الفاشلة إلى فصل جزء عزيز من الوطن وانفصل معها مورد البترول وترك اقتصادنا أشبه بحالة مبنى بدون ساس، لازمه انهيارات متتالية إلى أن قامت ثورة ديسمبر 2018م، ولكن جاءت ثورة ديسمبر وورثت اقتصاد منهار، يعيش في اختلالات هيكلية وبنيوية، اقتصاد يعاني من ضعف الإنتاج، ويعاني من وجود عدد كبير من الشركات خارج ولاية وزارة المالية وبشكل خاص شركات الجيش والشركات التابعة لجهاز الأمن ( ايراداتهم خارج حسابات وزارة المالية وخارج تقديرات الموازنة العامة)، ورثت خلل هيكلي في التضخم والبطالة، ارتفاعات متتالية في سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وكذلك ارتفاع بشكل متواصل وجنوني في أسعار السلع والخدمات، وكذلك إعداد هائلة من الخريجين والغيرخريجين بطالة فاقدين العمل بالجد كانت ورثة ثقيلة على حكومة الثورة .
رغم التشوهات و الاختلالات التي واجهتها حكومة الثورة الا انها اتخذت تدابير وخطوات جادة وحاسمة في معالجة الأزمة الاقتصادية التي ورثته من النظام السابق والانظمة التي سبقتها، ولكن رقم الاجتهادات والتضحيات التي قدمتها حكومة الثورة الأولى والثانية من عمل ملموس تفدي إلى إخراج الدولة من أزماتها الاقتصادية المزمنة، تراكم الديون، التضخم، والبطالة تنويع القاعدة الإنتاجية بدلاً من اقتصاد يعتمد على قطاع واحد ، تحسين الموازين الاقتصادية، أيضاً سعى حكومة الثورة إلى تعديل تشوهات الاقتصاد لاسيما الاقتصاد الغير رسمي (الاقتصاد الخفي)، مثلا التهريب، التهرب الضريبي، بسبب ارتفاع أسعار الضرائب، وكذلك أن يكون الإعفاءات الضريبية لغرض تشجيع الاستثمار وليس لغرض الوجاحة أو التحزب أو الاقارب، أو المحسوبيات
، أيضاً سعى لوضع قوانين حاسمة لمحاربة الفساد المالي والإداري وناضل أيضاً من أجل إيلاء وزارة المالية للمال العام لضبط التشوهات المالية.
ولكن كالمعتاد رغم نضال حكومة الثورة والثوار إلا أنها واجتهه ترسانة قوية من جيش الحركة الإسلامية والمتحالفين معها وكذلك كوادر الحركة الإسلامية في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، الذين اجهدو كل احلام ومبادئ الثورة بانقلاب 25 أكتوبر وحرب 15 أبريل، الذي دمر كل البنية التحتية للاقتصاد الوطني، الصناعات، والمشاريع الإنتاجية، شرد الآلاف من القوى العاملة، وانهارت الاقتصاد ومقدرات البلاد بشكل شبه تام.
ومع كل ذلك ونتيجة للخلل الهيكلي في الاقتصاد وإدارتها، سعت نفس المجموعة المجرمة في إدارة الاقتصاد بتكوين حكومة أمر واقع في بورسودان لممارسة اجرامها التاريخي و التمادي في نهب ثروات البلاد والعبث بها في تمويل حربها المذعورة لإعادة الحركة الإسلامية الكيزانية للسلطة مرة أخرى، لمضاعفة المعاناة وممارسة التهميش السياسي والحرمان التنموي بشكل متعمد على أساس الجهة والعرق واللون والجهه.
طيب انطلاقاً من السياق أعلاه وسردية الأزمة الاقتصادية وتشوهاته ومن واقع المسئولية النضالية لحكومة التأسيس لبناء دولة ذات اقتصاد قوي يتجاوز كل الإخفاقات، التي ساهمت في تشوهات الاقتصاد الوطني.
أذا لتحالف وحكومة السودان التأسيسي كيف يتم خروج الاقتصاد من التشوهات والسياسات الفاشلة التي خلفتها نظام الإنقاذ الكيزاني والنخب السياسية السابقة نحو اقتصاد حديث يخلق الرفاهية والازدهار للمواطنين؟
إذا حتى يكون هناك اقتصاد قوي يستطيع معالجة الأمراض المزمنة التي فاقمته الأنظمة السياسية والاقتصادية السابقة في السودان عليه يجب على حكومة السودان التأسيسي اتباع الطرق الآتية:-
1/ وضع مشروع وطني محكم يخاطب قضايا الأمن القومي ومن ضمنها الاقتصاد، عليه وضع خطة اقتصادية مربوط بهدف مركزي يتم الوصول عليه بعد نهاية عمر الخطة.
2 / وضع سياسية اقتصادية محكمة يعتمد على سياسة مالية تقوم على توجيه الإنفاق
اكتشاف المزيد من حركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.