
الثورة السودانية التراكمية ما بين معركة الوعي وزييف القادة.
د. جمال عبدالحليم النور

نائب الأمين العام لحركة تحرير السودان-المجلس الإنتقالي.
الثورة السودانية هي نتاج أسئلة تراكمية ترجع لأكثر من سبعين عاماً بحثاً عن التغيير الجزري، في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من أجل بناء دولة سودانية حديثة، يحترم التنوع والتعدد والانفتاح بشكل جزري لمعالجة الاختلالات الهيكلية والبنيوية في سيرورة الدولة السودانية، التي كرستها النخب السياسية في السودان، طوال تاريخيه الحديث، علاوة على ذلك فإن العقل السياسي المنتج من ايدلوجيات نفي الآخر المختلف، قد احتكر تطلعات وطموحات شعبنا العريض، في إطار أحادي ضيق، واختزلته لخدمة أغراض النخب السياسية الفاشلة، وبالإضافة إلى ذلك أيضاً قد لازمة ديناميكية الحركة السياسية في السودان،إلى تزييف الحقائق، وبناء اساطير الأوهام في عقول شعبنا بالاكاذيب وخطابات الفحلوة كأدوات للسيطرة وإعادة الإنتاج في إطار مزاجهم الحقلي.
لذا نستطيع القول بأن الثورة السودانية في إطار تمرحله، قد اصطدمت بجدارات اسمنتية صلبة ، متخصصة في تلوين المواقف وتزوير الحقائق وتفتيت احلام وطموحات إرادة الشعوب و المجتمعات المغلوبة على امرها، المندفعة بكل صدق نحو التغيير الجزري.
وهنا ينتابني سؤال هل انتكاسة الثورة السودانية في طوال تمرحله خلال السبعين عاماً الماضية ترجع لأسباب تتعلق بوعي الشعوب السودانية؟، أم أمراض النخب السياسية هي السبب الأساسي؟.
نستطيع القول بأن أكثر من سبعة عقود من النضال قدم فيها شعبنا أروع معاني التضحيات من أجل بناء دولة سودانية محترمة ، تسود فيها قيم الحرية، والعدل، السلام والديمقراطية، ولكن هيهات لأن المحير في الأمر أن النخب التي تعاقبت على سدنة الحكم في البلاد قد تميزت بفرض الغباء وغسيل الادمغة لشعبنا، بأهاييل متزاكية، لإعادة الالتفاف على اي ثورة وتدمير أبداعها، وتشتيت رؤيتها، مستغلين في ذلك تباينات وعي الثوار لأن، منهم من وعيه مكتمل بمفهوم الثورة وأهدافها، وأبعادها الاستراتيجية، ومنهم من هو عبارة عن سيل متدفق حسب نبض الثورة وشعاراتها، ولهذا الأساس تمت تفكيك جميع الثورات الشعبية والمسلحة السودانية، التي قامت عبر مراحل مختلفة من حلقات النضال، لإنجاز التحول في قضايا الثورة السودانية التراكمية . وعلى صعيد متصل كذلك أن السبب الرئيسي وراء تأخر الثورة السودانية من بلوغها إلى مرماها الأخير يرجع إلى النخب السياسية الذين تعاقبوا في حكم السودان، لأنهم هم المسئولين عن تأخر مستوى الوعي في الشعوب السودانية، وأيضاً هم الذين بنوا ترسانة صلبة للحفاظ على امتيازاتهم على حساب تنمية البلاد وتطوير شعوبها، بل سعت النخب إلى إبادة العقول في سبيل تمرير أجندتها الانتهازية، واستغلال الشعوب السودانية واجبارهم على الانصياع والارتماء في استبدادهم.
والجدير بالذكر أيضاً أن الانقضاض المريع، من نخب المركز، سياسيين كانوا أو اقتصاديين، مثقفين أو كانو عسكريين…. الخ، تجاه الثورة السودانية، هو ممارسة التغبيش والتشوية وطمس الحقائق، للتلاعب بعقول الأفراد والمجتمعات عبر أدوات القهر والسيطرة،( جيش، شرطة، أمن، استخبارات،مليشيات إرهابية، إعلام، ثقافة… الخ). الهدف هو إعادة تدوير الجماهير الفاعلين في تحقيق أهداف الثورة للحد من قدرتها، وبالفعل قد نجحوا في تحطيم أحلام واشواق القوى الثورية المتعطشة صوب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وسيادة حكم القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق مبدأ المواطنة المتساوية بدون تفريق.

ومن المعلوم أن أي ثورة هدفها الأساسي هي محاولة التغيير الجزري للوضع القائم، بغية تحقيق احلام وطموحات الجماهير ،الذي يتم عبرها تغيير في الأنظمة السياسية، عبر التعبئة الجماهيرية الكبيرة وبذل الجهود عن طريق وسائل غير مؤسسية، كالمظاهرات، أو الاحتجاجات، أو الاضطرابات، أو العنف، للخروج من الوضع المأزوم وتغييره إلى واقع أفضل، إلا أن الثورة يتطلب وعي إجتماعي عميق فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة، وكذلك التحديات التي تواجه المجتمع بشكل عام. ولذلك نستطيع القول بأن الثورة السودانية التحدي الحقيقي التي واجهتها بعد تعامر النخب السياسية هي مشكلة الوعي الاجتماعي، لأن الوعي بمفهوم قضايا الثورة هي الضامن الوحيد لتحقيق مضامين الثورة، كما قال الفيلسوف اليوناني سقراط (أيها الإنسان اعرف نفسك)، يعني أهمية اكتشاف الفرد لذاته، وضرورة الوعي بها، وإذا اسقطنا الذات إلى مجتمع ككينونة، من الأهمية بمكان اكتشاف المجتمع لذاتها وضرورة الوعي بها، في اكتشاف نقاط القوة والضعف، لأن الفرد الواعي أو المجتمع الواعي سلوكياته مخططة في جميع مساراته يصعب خداعه، أما الإنسان أو المجتمع الغير واعي فإن تصرفاته وسلوكياته يميل دائما على الهمجية والجهل والغباء مما يسهل خداعه. لذلك حالة دراية وإدراك المجتمع لمحيطه هو الضامن الوحيد لتحقيق أهدافه، ومقاومة الانحرافات والتهديدات التي تلوح أمامه.
وفي سياق متصل بالنسبة للثورة السودانية، وبشكل خاص ثورة ديسمبر المجيدة والتحديات التي واجهته من قبل الوعي، أفضى إلى انتشار الإرهاب بشكل تزكم الانوف، واتضح من وهلتها الأولى بأنها ماهي إلا حلقة مترابطة من حلقات تعامر النخب السياسية الرافضة للتغيير، وإعادة تفكيك احلام ديسمبر وطمسه وتخوينه، بغرض إعادة الحركة الإسلامية الكيزانية، إلى السلطة مرة أخرى.
من الواضح يبدو وبلاشك بأن الحراك الجماهيري، التي قادته ثوار ديسمبر المجيدة كانت كفيلة بتحقيق أهداف ومبادئ الثورة، إلا أن هنالك سم مدسوس لازمة جسد الثورة، أنهكتها بالمعامرات، والخلافات مما أدى إلى إضعاف لحمته وتماسك اجزاءه، والسبب الأساسي وراع ضعف لحمة الثورة يرجع إلى صراع القوى السياسية، الأمر الذي أدى إلى وهن الحاضنة الثورية من إسناد حكومة الثورة، مما ترك المجال واسعاً لتدخل الثورة المضادة، وتغويض أفرادها مسار الانتقال، بدلاً من الالتحام لإكمال مهام الثورة، إلى حالة جدلية مخلة بين مكونات الثورة نفسها ، واللافت للأمر أن الحزب الشيوعي قد تنصل متربعا اياديه لن يفهم منه آنذاك الا، الخذلان والتماهي والارتماء في خط الحركة الإسلامية الكيزانية، لأنهم تركوا خط الثورة والتحموا في خط الثورة المضادة، يخرسون حينما يستحفل أمر الحركة الإسلامية في تشتيت الثورة، ويحقدون ويحسدون حينما تتماسك قوة الثورة، الشيء الذي ألفت انتباه أي مراغب بأن هنالك أدوار متكاملة بين مواقف الحزب الشيوعي في الخذلان والتنصل من مهام الثورة، والهجوم الشرس من الحركة الإسلامية وجيشها الكيزانية للثورة، وهنا يفهم من خلال السياق بأن هنالك تحالف مستتر تخفى نفسها في دياجر الثورة المضادة، بشكل واضح لحماية الامتيازات التاريخية ورفض احلام وطموحات الشعب الحادبة نحو التغيير الجزري.
والجدير في الأمر أيضا أن شأن الشعوب واحد في جميع الثورات ، فهي لا تدرك مغزاها ولا تدبر أمرها، وإنما الذعماء هم الذين يحركونها، وهنا يظهر منطق الفيلسوف غوستاف لوبون ( بأن الجماهير ممكن أن تتحول إلى قوة تدميرية إذا لم تتوجه بشكل صحيح، لأنها تتأثر بالرموز والعواطف والقادة)، القائد الأمين المخلص، هو الذي يقود شعبه نحو الغايات الأفضل، والقائد الخائن المجرم هدفه تفكيك غايات شعبه في سبيل تحقيق غاياته الخاصة، ومن الملاحظ أن الجوانب النفسية للثورة السودانية في جميع مراحله سواء كانت ثورات شعبية أو كانت مسلحة، تميزت قياداته بالانانية، والكذب، والغش، والحقد والحسد، وبالعكس القادة الملهمون الذين سطروا تواريخ ناصعة لاوطانهم أمثال بطل جنوب أفريقيا ولسون مانديلا، وبطل الثورة
اكتشاف المزيد من حركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.