
حينما يتحول الثورة الى حكومة
(تحالف التأسيس نموزجا)
د.جمال عبدالحليم النور
كالمعهود الثورة هي عملية مستمرة اي هي حركة جماهيرية تهدف الى تغيير جزري في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، بغرض تحقيق اهداف الثورة، وعلاقتها بالحكومة هي علاقة ديناميكية معقدة، تعتمد على طبيعة النظام السياسي القائم وقدرتها على مواجهة اهداف الثورة ومطالب الثوار، لذا تحول تحالف السودان التأسيسي الى حكومة يتطلب منها الوعي بمجوعة من العوامل حتى لا تكون مهددات تعيق ديناميكية الثورة والحكومة معا. أهمها وحدة قوى الثورة، واعني بذلك ضرورة تجانس التحالف وابتعادها من صراعات داخلية تعرقل تحقيق اهداف الثورة، ثانيا: التصدي على رموز النظام السابق، لان اي تغلغل في اجهزة الحكومة الادارية والامنية والقضائية، بسبب القبيلة او العرق او باي شكل من الاشكال ممكن ان تولد ثورة مضادة تضعف قوة التحالف وحكومة الثورة من الوصول الى مبتغاه، لذلك عقلية الانا والقبلية يجب ابتعادها من حكومة التأسيس. ثالثا: الاوضاع الاقتصادية، واحدة من المعدلات الصعبة في ظل الظروف المتردية التي خلفتها الحرب ارتفاع نسبة الفقر وتدهور مستوى المعيشة كذلك البطالة والتضخم كلها امراض اقتصادية محتاجة لسياسة اقتصادية واضحة لتوفير الايرادات وتوجيه النفقات في قنواتها الحقيقية وكذلك ضبط عرض النقود بما يتلائم مع حجم النشاط الاقتصادي، وهنا يجب على التحالف اختيار ادارة اقتصادية ناجحة هدفها معالجة المشاكل الاقتصادية المزمنة، ادارة بعيدة من الايدلوجيات. رابعا: يجب على التحالف مراعاة العوامل النفسية لان الحرب خلفت اثار سيئة للغاية ومن الاهمية بمكان عدم تركها للتلاعب بها لاثارة الفوضى والانقسام.

على الرغم من ان هناك تحديات وصعوبات تواجه حكومة التأسيس، لانها تبدأ اعمالها من اللا شيء حكومة بلا قاعدة بيانان ولامعلومات يعتمد عليها في التخطيط، ولاموظفين اكفاء في الخدمة المدنية ، ولكن هذه الصعوبات تتطلب الى قيادة قوية وحكيمة لان القيادة الرشيدة والملهمة بأمكانها تعبئة الموارد البشرية والمادية في وقت وجيذ وتوجيهها لترجمة امال وطموحات الثوار والمضي بها نحو غايات عملية. كذلك القيادة القوية الملهمة عليها بالتواصل الفعال مع الجماهير واقناعهم باهداف الثورة وان تكون لديها القدرة على اتخاز القرارات الصعبة في الزمن المناسب، لضمان تاثير القيادة وقدرتها الى تحويل الممكنات الى واقع. ومن الاهمية ايضا ان يتمتع حكومة الثورة بتأييد شعبي واسع، لان الدعم الشعبي يساعد على تجسيد امال وطموحات الشعب وهنا يجب الاهتمام بادارة التنوع والتعدد بشكل يعكس مشروع السودان الحديث الكل يتفاعل دون انصهار او الذوبان حينها سوف تكون كل الشعب مستعدا للتضحية والدفاع عنه.
كذلك من الصعوبات التي تواجه حكومة الثورة اشبه بما قاله فرانسس كافكا كاتب تشيكي( كل ثورة تتبخر وتخلف وراءها وحل من البيروقراطية)، لان في واقعنا منتشر فيها المحسوبية والقرايبية، ( ود خالتي ود عمتي ودعمي وودقبيلتي …..الخ)، سوف تتضخم المؤسسات وتنتفخ بالموظفين وفق السردية اعلاه وسوف تكون مؤسسات بلا انتاج، بل ترهق كاهل الدولة بالمرتبات في ظل ضعف الايرادات الذاتية، لذا يجب الانتباه على هذه المعادلة حتى لا تتفشى البيروقراطية في المؤسسات عبر ظاهرة المحسوبيات.

وفي الختام نستطيع القول بان الثورة السودانية هي نتاج اسئلة تراكمية لم تكن سؤالها الاول بدأت بثورة ديسمبر ولا ببداية حركة تحرير السودان في 2003م، ولا ابريل 1985م ولا الحركة الشعبية في 1983م، ولا اكتوبر 1964م، بل اسئلة ترجع الى ما قبل خروج الانجليز من السودان وبعده ، لازمت انتقال الدولة السودانية بحثا عن نظام ديمقراطي عادل تعبر عن طموح و تطلعات التعدد والتنوع السوداني، وبعد نضال طويل تشكلت وتبلورت تلك الاسئلة و الطموح في مشروع السودان التأسيسي الذي خاطب تلك الاسئلة المركزية المحظورة التي كانت مرفوضة من قبل مركز الظلم التاريخي في السودان في كل محطة تفاوضية، بهذا اصبح مشروع تحالف التأسيس هو البديل الحقيقي والانجح للثورة السودانية، من اجل بناء دولة حديثة قوامة الحرية العدل السلام الديمقراطية وتجاوز كل اخفاقات الدولة القديمة القائمة على الظلم والقهر والتهميش والتميز على اساس اللون والعرق والدين والنوع والجهة.
ولكن يقول الثائر تشي جيفارا.
(الثورة تتجمد والثوار ينتابهم الصقيع حينما يجلسون على الكراسي ويبدأون في تنفيذ ما ناضلوا عليه).
النوم ممنوع الطريق لسع
اكتشاف المزيد من حركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.