
معركة الكفاءة ضد الولاء الشخصي
بقلم /انور بابكر
السودان نموذجًا: الحاجة إلى قطيعة مع إرث المحسوبية
لقد عانى السودان ـ لعقود ـ من تغوّل المحسوبية في مفاصل الدولة، خصوصًا بعد التسييس العنيف للمؤسسات خلال فترات الحكم الشمولي. واليوم، في ظل السعي نحو بناء دولة مدنية جديدة، تصبح محاربة المحسوبية وإرساء معايير الكفاءة أولوية لا تقبل التأجيل.
إن نجاح أي حكومة انتقالية أو حكومة تأسيسية لا يُقاس فقط بعدد القوانين التي تصدرها، بل بمدى قدرتها على تفكيك بنية الولاء الشخصي في التوظيف، وبناء جهاز إداري مستقل وفعّال
في كل دولة تسعى إلى بناء نظام ديمقراطي عادل، تبرز معركة محورية لا تقل خطورة عن أي معركة سياسية أو اقتصادية، وهي معركة الكفاءة ضد الولاء الشخصي. في قلب هذه المعركة تقف المحسوبية، باعتبارها إحدى أبرز صور الفساد الإداري، في مواجهة مبدأ استقلال المنصب في التوظيف، الذي يُعدّ من أسس الدولة الحديثة.
المحسوبية: الخطر الصامت على المؤسسات
المحسوبية لا تعني فقط تعيين الأقرباء أو الموالين في المناصب، بل تعني بشكل أعمق تحويل الوظيفة العامة من وسيلة لخدمة المجتمع إلى أداة لخدمة المصالح الضيقة، سواء كانت عائلية، حزبية أو جهوية. الخطير في المحسوبية أنها لا تُعلن عن نفسها؛ فهي لا تدخل المؤسسات بصخب، بل تتسلل بهدوء، عبر التوصيات والاتصالات وتبادل المنافع.
حين تصبح الكفاءة معيارًا ثانويًا، تتحول المؤسسات إلى كيانات عاجزة عن الإبداع أو الإنجاز، وتُولد طبقة من “الموظفين المحميين” الذين لا يُحاسَبون ولا يُبدعون. وتتكرس ثقافة “من تعرف” بدل “ماذا تعرف”.
استقلال المنصب: حجر أساس لبناء الخدمة المدنية
في المقابل، فإن استقلالية التوظيف تعني فصل الوظيفة العامة عن الولاءات، وجعلها خاضعة لمعايير واضحة وشفافة تقوم على الكفاءة، المؤهل، والخبرة. هذه الاستقلالية لا تحمي فقط حق الأفراد في التوظيف العادل، بل تحمي الدولة نفسها من الانهيار البطيء.
في النظم التي تحترم استقلال المنصب، يتم تعيين المسؤولين عبر لجان مستقلة، وتُعلن الوظائف بشفافية، وتُوضع معايير واضحة للترقية والمساءلة. هذه الخطوات البسيطة تُنتج بيئة تنافسية عادلة، وتمنح الشباب الموهوبين فرصة لخدمة وطنهم دون وساطة أو خضوع.
في معركة بناء الدولة، لا مكان للمجاملات على حساب العدالة. فالمحسوبية ليست فقط عيبًا أخلاقيًا، بل خطر وجودي. وإذا أردنا أن نُورِّث أبناءنا وطنًا يحترم أحلامهم، فعلينا أن نغرس في قلب مؤسساته مبدأ واحدًا ان الوطن يُبنى بالكفاءة، لا بالمحسوبية.
السبت 3مايو 2025 م
اكتشاف المزيد من حركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.